الأحد، أكتوبر 11، 2009

قصة عائلة يهودية مصرية

القصة منقول من كتاب “الخروج من مصر” للكاتب اليهودي الامريكي ، السكندري المولد ، اندرية اسيمان و الذي قدمه د. محمد ابو الغار في كتابه الممتع “يهود مصر من الازدهار الي الشتات” و سانقل لكم تقديمة د. ابو الغار حتي تكون لدينا خلفية عن الكاتب.
.
"صورة لاندريه اسيمان الكاتب اليهودي الامريكي ذو الاصل المصري وراوي القصة"

يقول د. ابو الغار: “ يحكي المؤلف اندريه اسيمان قصة عائلته اليهودية التي عاشت في الاسكندرية لاكثر من خمسين عاما في القرن العشرين ، و هاجرت-بعد ذلك- الي الخارج، و الكاتب هو احد افراد الجيل الرابع لهذه العائلة. و لقد خرجت بعد قراءة الكتاب بانطباع بان الكاتب صريح و صادق ، ويحكي تاريخ الاسرة ببساطة و دقة ، و ربما يكون من اسباب ذلك ان الكاتب كان شاهد عيان علي كثير من الاحداث ، و انه قابل بعض افراد العائلة من كبار السن الباقين علي قيد الحياة ، و جلس معهم للتوثيق و التآكد من معلوماته ، و ان معظم -ان لم يكن كل- افراد العائلة الذين ذكرهم الكاتب قد غادروا الحياة عند نشر الكتاب ، مما لا يضعه في موقف حرج مع شخصيات معاصرة يمكن ان تقرآ الكتاب. ولم يحاول الكاتب ان يجمل وجه العائلة في مصر ، بل ذكر كل مشاعرها الحقيقية ، الجيدة و السيئة تجاه مصر و المصريين. و الكاتب ولد في الاسكندرية ، وعاش طفولته و شبابه الي ان غادرها عام ١٩٦٤ و قد درس في جامعة هارفارد العريقة بالولايات المتحدة ، وهو يقوم حاليا بتدريس آداب اللغة الفرنسية في جامعة برينستون.

و الآن اليكم حكاية هذه العائلة اليهودية:

“ ترجع اصول هذه العائلة اليهودية منذ مئات السنين الي اسبانيا
حين طرد اليهود منها عام ١٤٩٢ ميلاديا. و هاجرت الاسرة الي تركيا ، و عاشت في استانبول ، وفي القرن التاسع عشر حاول افراد العائلة -مثل كثير من اليهود الاتراك- البحث عن جنسية اوروبية اثنا اقامتهم في تركيا ، وذلك الي جانب جنسيتهم التركية التي حملوها اجيالا. وقد نجح الكثيرون في ادعائهم ان اجدادهم القدامي الاسبان هاجروا الي ميناء ليفورنو الصغير في ايطاليا بجوار بيزا حيث عاشوا هناك. لذلك فهم يستحقون الجنسية الايطالية ، وبالفعل حصل عليها الكثيرون من افراد هذه العائلة ، ودخل بعضهم المدارس الايطالية في استانبول لتعلم اللغة الايطالية ، وبقي الكثيرون من الذين يحملون الجنسية الايطالية لا يعرفون حرفا من هذه اللغة.

"صورة للسلطان العثماني و هو يستقبل اليهود القادميين لتركيا من اسبانيا بعد سقوطها وبعد محاكم التفتيش "

و قد بدآت العائلة في التفكير في الهجرة من تركيا عندما احست بآفول نجم الامبراطورية العثمانية ، وكان الحافز الاكبر لاختيار بلد المهجر هو الصداقة الوثيقة التي ربطت بين احد افراد العائلة المدعو ايزاك و الامير آحمد فؤاد ابن الخديوي اسماعيل و الذي اصبحا سلطانا ثم ملكا فيما بعد. وقد بدآت الصداقة بينهما في احدي الجامعات الايطالية ، حيث تزاملا معا في السنة الدراسية نفسها. و من ثم هاجرت الاسرة بآبنائها الثلاثة : نسيم و ايزاك و آرون(المسمي فيلي) و بناتها الاربع الي الاسكندرية عام ١٩٠٥ بعد ان باعت ممتلكاتها في استانبول(والتي لم تكن بالكثير) استوطنت الاسرة مدينة الاسكندرية وعاشت فيها لاكثر من نصف قرن ، حتي غادرها آخر فرع في العائلة و منهم مؤلف الكاتب عام ١٩٦٤ و قد توارثت العائلة لغة اللادينو.

كان الابن الاصغر للعائلة و المسمي فيلي شخصية غريبة الاطوار متتعدد المواهب و القدرات ، تمثل الشخصية اليهودية اصدق تمثيل ، فبعد ان تعلم الايطالية و الفرنسية الي جانب التركية و اللادينو ، جند في الجيش التركي و حارب في صفوفه ، ثم انضم الي الجيش الالماني ، وشارك في الحرب العالمية الاولي تحت العلم الالماني ، وبالطبع اتقن اللغة الالمانية ، وعندما دخلت ايطاليا الحرب العالمية الاولي مع الحلفاء ، انتقل فيلي للجانب الاخر ، وحارب في صفوف الجيش الايطالي ضد الالمان ، وهرب من الجيش بعد الهزيمة المفجعة للايطاليين ، وذهب ليعمل في جزر البحر الابيض المتوسط ، ثم لحق بالعائلة التي هاجرت الي الاسكندرية ، وفيها افتتح صالة للمزادات تبيع التحف و الانتيكات.
وفي الثلاثينات و مع ظهور الفاشية ، كان من اكبر مؤيدي موسيليني من الجالية الايطالية في الاسكندرية ، حتي ان موسيليني اهداه موسوعة موقعة منه شخصيا بيعت بعد ذلك لاحدي المكتبات قبل مغادرة العائلة مصر نهائيا. وكان يرسل خطابات تحية و تشجيع لهتلر ، وطلبته المخابرات الايطالية ليكون عميلا لها و قبل ان يوافق علي ذلك ذهب الي المخابرات البريطانية في الاسكندرية و عرض عليهم الامر!! فانضم رسميا كجاسوس للتاج البريطاني عام ١٩٣٦ ، علي ان يقبل العمل ظاهريا مع الايطاليين ، و تنقل بين روما و القاهرة و اثيوبيا التي كان موسوليني قد غزاها ليتجسس علي الايطاليين لصالح الانجليز. و كانت المخابرات الايطالية تصدر له كميات هائلة من التحف و الاثاث الايطالي القديم من روما الي صالة المزادات في الاسكندرية بمبالغ رمزية حتي يكون هناك مبرر لسفره المتكرر الي روما امام عيون الانجليز. و كان فيلي يتباهي بان اخاه ايزاك و بالتالي هو شخصيا يضع الملك فؤاد ثم الملك فاروق في جيب الصديري الصغير. وقد ساعد الملك في تعيين فيلي عضوا في مجالس الادارة لعدد كبير من الشركات الكبري في مصر بمرتبات مرتفعة!! وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كافآته الحكومة الانجليزية بمنحه الجنسية البريطانية ، ولم "صورة الفاشيست الايطالي موسوليني" تكن علاقة فيلي بالحركة الصهيونية في مصر علي ما يرام، فقد اتهمه رجالها بانه يتجسس لصالح الانجليز ضدهم في الفترة التي سبقت قيام دولة اسرائيل ، بل و حاولوا الاعتداء عليه.

وبعد قيام دولة اسرائيل احس فيلي بقلب الجاسوس و عقله ، انه يجب ان يعد العدة في وقت ما للرحيل من مصر، وتآكد هذا الاحساس بعد قيام الثورة عام ١٩٥٢ ، فبدآ يهرب امواله الضخمة الي الخارج ، وباع بالتدريج كل ممتلكاته ، ما عدا فيلا قديمة مليئة ببعض الاثاث الذي لا يساوي شيئا. ويبدو ان فيلي كان يرآس منظمة للتهريب ، وربما للجاسوسية ضد مصر!! وفي عام ١٩٥٥ نظمت الاسرة حفلا ضخما استمر ثلاثة ايام لمئات المدعوين ، احتفالا بعيد الميلاد المئوي للجدة الكبري رآس العائلة التي هاجرت عام ١٩٠٥ الي مصر، وكان عمرها آنذاك خمسة و اربعين عاما ، وبلغت -الآن- مائة عام ، وهي بصحة جيدة و ذاكرتها قوية. وفي مساء اليوم الثالث و الاخير لحفل عيد الميلاد القي ابنها الاكبر نسيم كلمة لتكريم امه و تآكد من مائة شمعة قد اضيئت غي انحاء المنزل ، و القت الجدة كلمة تحية ، بدآت بالتركية التي كانت قد نسيتها ، وحاولت التكملة بالايطالية الركيكة ، لكنها غيرت الي الفرنسية التي تجيدها ، ولم يكن هناك شيئا بالادينو ، لان اقل القليل من الحضور يعرفها. وفجآة دخل احد اصدقاء الاخوة ، وهو يلهث قادما من الخارج ، وطلب مقابلة فيلي علي انفراد ، واخبره بان احد اعضاء الخلية التي ينتمي اليها فيلي قد قيض عليه ، وضبطت معه ورقة بها بضعة اسماء منها فيلي و بعض المعلومات الاخري ، منها ارقام الحسابات في سويسرا.

ونادي فيلي بقية الاخوة ، واخبرهم بانه سوف يغادر مصر نهائيا وفورا ، وطلب ان تستمر الحفلة بطريقة عادية حتي لا يلاحظ احد شيئا ، و قد رفض السفر هاربا علي ظهر سفينة تجارية يونانية تغادر الميناء بعد بضع ساعات ، و اخذ حقيبة من المنزل فيها بعض الملابس القديمة ، وانطلق مع السائق الي مطار القاهرة ، وقبل ان يتم التبليغ بالقبض عليه ببضع ساعات كان قد غادر القاهرة. و من عجائب القدر ان تستدعي الحكومة فيلي بعد اربع سنوات خبيرا اجنبيا لبيع مقتنيات العائلة المالكة في المزاد العلني.

فيلي حاملا الجنسية البريطانية الي انجلترا ، و غير اسمه الي اسم انجليزي قح ، وغير ديانته الي المسيحية ، واشتري ضيعة في الريف الانجليزي ، ليتقاعد فيها دون ان يعلم او يحس احد بانه اجنبي ، او ان له تاريخا تشيب له الرؤوس. وعندما ذهب المؤلف لزيارة خاله فيلي ، حين كان في الثمانين من عمره في ضيعته بانجلترا ، حيث يعيش مع اولاده واحفاده ، رفض الحديث عن الاسكندرية، و عندما ذكر امامه بعض اسماء الاصدقاء و الاقارب ، قال: ان هذا التاريخ زبالة، و المهم هو الحاضر ، آليس المنظر رائعا هنا في الريف الانجليزي؟ و بعد قضاء يومين في ضيافته عرف بالمصادفة من احفاد فيلي انه كان من عادته قبل ان ينام ان يغلق الحجرة علي نفسه ، بحيث لا يعرف احد انه يستمع لنشرة الاخبار بالفرنسية لمدة ساعة كاملة من محطة راديو اسرائيل.

مصر من العائلة بعمل مشروع مختلف ، بدءا من افتتاح صالة بلياردو الي صالة مزادات الي محل لبيع و اصلاح الدراجات، و تكبر العائلة في الحجم و الثروة ويزداد عددها ، و تسكن في الابراهمية بالاسكندرية وسبورتنج ، ثم تنتقل الي سموحة. وكان لهم بيت في المندرة ينتقلون اليه كل صيف ، وكانوا في بحبوحة من العيش ، و لديهم الخدم و الطباخون و السفرجية و السائق. واستمرت العائلة تعيش حياة سعيدة ، بالرغم من القلق الشديد الذي راودهم في فترة معركة العالمين ، وخوفهم من انتصار الالمان ، وهو ما كان يعني هروبهم من مصر و احتمال القبض عليهم.

وكانت تلك الفترة من الفترات العصيبة في حياة يهود الاسكندرية ، وقد حددت الحكومة البريطانية اقامة الرعايا الايطاليين و الالمان ، خوفا من ان يكونوا طابورا خامسا لجيش روميل. ولكن هذه العائلة التي كان افرادها يحملون جوازات سفر ايطالية لم تمس من قريب و لا من بعيد ، لانهم يهود اولا و ثانيا لان فيلي يعمل جاسوسا للانجليز. و قبل معركة العلمين ترك الجميع منازلهم ، و ذهبوا الي الجدة الكبري في منزلها الذي رفع منه الاثاث ، و فرشت النراتب علي ارض البيت ، لينام الجميع رجالا و نساء و اطفالا كل يوم ، حتي انتهت المعركة بهزيمة روميل ، فعاد كل الي بيته حتي قيام دولة اسرائيل ، في ذلك الوقت عندما شعرت الاسرة مرة اخري بالخوف من الشعور العدائي المتوقع من المصريين تجاه اليهود ، ذهبوا مرة اخري الي الجدة الكبري ، ففرشت المراتب و نامت العائلة جميعها علي الارض حتي هدآت النفوس ، و عاد الجميع مرة اخري الي منازلهم.


اما الاخ إيزاك فكان الصديق الشخصي للملك فؤاد ، و من بعده الملك فاروق ، و قد وصلت درجة الصداقة الي حد ان ايزاك اخبر الملك فؤاد بان اخته قاربت علي سن الاربعين و لم تتزوج بعد ، فساعده الملك بترتيب زواج اخته من يهودي يقيم في مصر ، يسمي آلدو خون و يعرفه العامة باسم خون باشا.!!!!! و لفرط ثقة الملك فؤاد و حبه للسيد ايزاك عينه في منصب مدير عام وزارة المالية!! وساعد ايزاك اخاه فيلي في الوصول الي مناصبه الكثيرة ، و ساعد في تعين اعداد كبيرة من افراد العائلة-سبابا و شيوخا- في مناصب ادارية كبري في الشركات و البنوك بمرتبات كبيرة مغرية. و قد بلغت مساعدات الملك لايزاك حدا غير معقول ، عندما تدخل لمساعدة احد اقارب العائلة في الهروب من المانيا ، و اعطاه جوازي سفر دبلوماسيين مصريين له و لزوجته!!!!

اما الاخ نسيم فلم يكن له دور واضح ، باستثناء حبه للهدوء و القراءة و لعب الجولف بصفة دائمة. اما البنات فقد تزوجن من يهود من ذوي اصول غربية ( اشكناز ) في الاسكندرية ، وكان هناك يهودي عربي كان قادما من حلب ، تزوج احدي الاخوات ، وكان الوحيد من غير اليهود الاوربيين الذي دخل هذه العائلة ، وقد نظر اليه الاخوة جميعا بنظرة متعالية فيها بعض الاحتقار.
"صورة للملك فؤاد والد الملك فاروق"

العائلة وعدوان ١٩٥٦
"في عام ١٩٥٦ اتحد واتفق الفرنسيون مع الاسرائيليون و الانجليز علي الهجوم معا علي مصر و اعادة احتلالها"

يحتل العدوان الثلاثي علي مصر جزءا مهما في تاريخ هذه العائلة، لانه كان حدا فاصلا في علاقتهم بالحكومة المصرية ، التي بدآت يشوبها بعض القلق بعد القلق بعد ١٩٥٢ ، وتطورت العلاقة تدريجيا حتي وصلت الي قمة الاحداث اثناء عدوان ١٩٥٦ حين ظهر بوضوح الي اي جانب يقفون و اتخذت الحكومة موقفا شديد الحزم و الحذر منهم. و من ناحية اخري كان لاشتراك اسرائيل في العدوان الثلاثي اثر حاسم في اثارة الشعور الشعبي ضد اليهود ، خاصة بعد ما ظهر من تصرفاتهم اثناء العدوان.
وهناك الكثير من الاحداث التي كان الكاتب فيها شاهد عيان اثناء فترة حرب ١٩٥٦ ، وتدل علي عدم تعاطف و انتماء هذه العائلة و مثيلاتها الي مصر. فعند حدوث اول غارة جوية علي الاسكندرية ، كان الكاتب صبيا مع امه في وسط المدينة ، و بعد ان اطفئت الانوار دخلا الي محل بقالة يملكه اجنبي ، واقفل الباب علي مجموعة من الزبائن كلهم من الاجانب ، فسمع الصبي في الظلام اصواتا تقول : سوف يتم سحقهم في يوم او اثنين ، وسوف يلقن الانجليز المصريين درسا يستحقونه لقيامهم بتآميم القناة و سوف تعود الامور كما كانت، و ايده آخر بلكنة اجنبية قائلا : ان شاء الله.
وبعد ان وصلت الام بعد معاناة الي منزل العائلة مع ابنها في الظلام وجدت هذه العائلة مكتملة، وقد فرشت المراتب علي الارض للمرة الثالثة خلال خمسة عشر عاما ، حتي ان ينام جميع الاخوة و الابناء مع اسرهم. ولم تلتزم العائلة باطفاء الانوار بالكامل و بدآوا يسمعون صياحا في الشارع : اطفئ الانوار ، وصعد احد البوابين الي شقتهم قائلا: اطفئوا النور تماما، هل تريدون ان يضربونا بالقنابل ، و اذا لم تطفئوا الانوار سوف ابلغ البوليس بانكم جواسيس.

واثناء الظلام الدامس قال الاخ نسيم الذي كان عمره اكثر من ثمانين عاما: - دعنا ننتظر حتي تنتهي الحرب ، وسوف يري هؤلاء المتوحشين المصريون جزاء ما فعلوا ، لقد تحملنا هذه الافكار و الشعارات الوطنية اكثر مما ينبغي.
ورد عليه اخوه ايزاك و كان في الثمانين من عمره: هل يعرف هؤلاء الذين يزعقون انا”اطفئ الانوار” من نحن؟ لقد كان في استطاعتي معاقبتهم بالجلد بالكرابيج و السجن يوما ما( وذلك في اشارة الي علاقته القوية بالملك السابق ) و صاح احد الصغار: آه ، لو كان الملك موجودا. وصاحت الاخت مارتا التي كانت قد تعدت السبعين: نحن في حاجة الي موسي جديد ، اعني بذلك موسي مودرن ، ورجالنا الذي يصلح ان يكون موسي هو فيلي الذي غادرنا العام الماضي الي انجلترا ليعيش بقية عمره.
ثم سآل احدهم : كم من الوقت يكفي لسحق الجيش المصري؟ و اجاب آخر يومين او ثلاثة ، وسوف يستقر الامر خلال بضعة اسابيع كما كان تماما.

واخذت العائلة كلها تحاول التقاط احدي الموجات القصيرة للاذاعات الاجنبية التي اعلنت احتلال بور سعيد ، وهنا ارتفعت صيحات الفرحة و التهليل من جميع افراد العائلة ، ووقفت الاختان الكبيرتان ترقصان من الفرح علي ضوء الشمعة الوحيدة!! وصاح نسيم : لو كان فيلي معنا لكان فتحج زجاجة شمبانيا. و عندئذ وقف ايزاك صائحا بلغة اللادينو : توقفوا الآن و كفي، ان بيتا ملئ بالخدم العرب ، ونحن لا نعرف مشاعرهم الحقيقة تجاه ما يحدث ، وتجاه شعورنا الظاهر بالفرح.!!!!

وفي صباح اليوم التالي لبدء الحرب غادر نسيم المنزل الي نادي سموحة للعب الجولف كعادته كل يوم ، و ارسل ايزاك احد الخدم ليشتري له جميع الصحف و المجلات بجميع اللغات ، وبدآت العائلة الكبيرة تعد افطارها الذي وصفه احدهم بانه كان افخم من افطار اعظم فندق في العالم. و علي المائدة سآلت الجدة احد افراد الجيل الثالث: ماذا تريد ان تعمل عندما تكبر؟ فقال: اريد ان اصبح سفيرا. ، فساله العم : و ما البلد الذي ستمثله و تكون سفيره؟ فكانت الاجابة سريعة: فرنسا طبعا. فقال له العم: ولكنك لست فرنسيا! بل تحمل جواز سفر ايطاليا ، و في الحقيقة انك لست ايطاليا ، فانت تركيا !!!

وبما ان جميع افراد العائلة كانوا دائما يتحدثون عن تركيا الدولة التي احتضنتهم لعدة قرون باحتقار شديد ، فقد اهعلن الشاب الصغير انه لا يريد ان يكون سفيرا لتركيا ، و انه سينسي الفكرة من اساسها!!!!
"صورة للرئيس جمال عبد الناصر علي غلاف مجلة التايم"

و بعد الفطار خرج ايزاك و معه الشاب الصغير اندريه اسيمان الراؤي لهذه القصة لمقابلة اهم سمسار يهودي في البورصة المصرية. وقد كان هذا السمسار هو السمسار الاساسي للاجانب و الاغنياء المصريون ، وكان يسكن في فيلا كبيرة بالقرب من منطقة بولكي بالاسكندرية و كان الغرض من الزيارة تقصي الاخبار تحسبا للمستقبل. و كان رآي السمسار ان الانجليز و الفرنسيين سوف ينسحبون من مصر، و ان جمال عبد الناصر لن يغفر لهم ذلك. و سيكون هناك ثآر من الانجليز و الفرنسيين ، وربما يلي ذلك تآميم ممتلكاتهم ، ثم طرد اليهود انتقاما من هجوم اسرائيل. فاعترض ايزاك قائلا: لكننا لسنا من اسرائيل. فقال السمسار: يمكنك ان تقول ذلك للرئيس عبد الناصر. فعلق ايزاك: هذه الايام من ايام هجوم روميل علي العالمين. وقال ايزاك للسمسار: اذا حدث لي شئ تذكر اسم كراوس في جنيف ، واخي فيلي يعرف في انجلترا. فامسك السمسار علبة سجائر ليكتب عليها الاسم ، فحذره ايزاك ونبهه ان هذه المعلومة لابد ان تبقي في الذاكرة فقط. وفي اليوم التالي ظهر البوليس في شقتهم ليسآل عن شخص كان يرسل اشارات مورس الي السفن في البحر المتوسط ، لكنه تركهم دون ان يفعل شيئا.

وقررت الجدة ان العائلة تحتاج الي حظ احسن ، فامرت بوضع منقد الفحم الكبير علي الارض ، و بعد ان اشعلته وضعت عليه البخور ، و كان علي الجميع ان يقفزون فوق المنقد الذي يتصاعد منه البخور ، بدءا بالرجال ثم النساء ثم الخدم. وعاد رجال البوليس مرة اخري في اليوم آخر ، وقالوا ان لديهم دليلا قاطعا علي ان ايزاك يهرب الاموال و المجوهرات الي الخارج و ان اخاه فيلي كان يقوم بذلك لسنوات طوال. و قبض عليه بتهمة خيانة الدولة ، فقال: ان عمري ثمانون عاما. وحاولت اخته ان تقول للشرطة انه لا يمكن القبض عليه، لانه مواطن لدولة اوروبية!! وقال اخوه نسيم : لو سجنتموه فلن يعيش يوما واحدا.

"صورة ليهودي تم ترحيله لاسباب امنية من مصر في الخمسينات بعد تورط عدد من اليهود المصريين في فضيحة لافون"

وبعد اسبوع من القبض علي ايزاك وصل للعائلة تلغراف من فرنسا و كان الراسل هو ايزاك يخبرهم فيه بوصوله اليها آمنا سالما. وبدآت العائلة مناقشة الهجرة من مصر و التخطيط لها ، و هو ما تحقق علي ارض الواقع لجميع افراد العائلة ماعدا و الد المؤلف الذي كان يملك مصنعا للنسيج يدر عليه ارباحا هائلة ، وكان يود ان يبقي مع عائلته في الاسكندرية ، وفعلا بقي فيها ثمانية سنوات حتي غادرها عام ١٩٦٤ ، و خلال تلك الاعوام تغيرت الاسكندرية ، وتغيرت الحياة في مصر، واممت كلية فيكتوريا التي كان يدرس ابنه( مؤلف الكتاب) فيها ، وتحولت الي كلية النصر و اصبح تدريس اللغة العربية اجباريا فيها ، و اصبح هو اليهودي الوحيد في الفصل ، و كان عليه ان يحفظ آيات من القرآن ضمن دروس اللغة العربية وان يحفظ الآناشيد التي تمجد العرب و تحتقر من اسرائيل ، و بالطبع لا يقارن هذا بما يدرسه الآلاف من التلاميذ العرب في اسرائيل عن تاريخ اسرائيل و امجادها، وتحقير كل ما له علاقة بالعرب ، وكان ابوه مصرا علي ان يستمر في المدرسة ، لانه اذا اراد ان يعيش في مصر في ذلك العصر ، فلابد ان يجيد لغتها ، و قد لاقي الصبي كثيرا من العنت في تلك الفترة ، تارة من المدرسين و تارة من الزملاء حتي رضخ ابوه و نقله الي المدرسة الامريكية ، التي لم تكن اللغة العربية اجبارية فيها. واضطر ابوه الي ان يغادر مصر نهائيا بعد ان اممت املاكه بعد ذلك.

ويذكر الكاتب انه اثناء زيارة الي المقابر اليهودية بالاسكندرية في يوم كيبور و كانوا يخططون لترك مصر ، قال له ابوه: انه من المحزن ان نترك احباءنا في قبورهم يتقلبون ، علي حين نخطط نحن للمغادرة ، و لعلهم يسالوننا لاماذا جئنا في المقام الاول و نحن نكره هذا البلد الذي دفنوننا فيه؟

"طابور طويل من اليهود و الاوروبيين المغادريين عام ١٩٥٧ ، بعد اشهر قليلة من عدوان ٥٦"

واعتقد ان الكاتب كان امينا في رواية الاحداث الحقيقة التي مرت بعائلته، وحاول جمع المعلومات و مقابلة الاحياء لاستكمال الاحداث ، و لم يحاول ان يجمل الشخصية اليهودية ، بل اظهر بوضوح ان الجميع لم يحب مصرنا و لا شعبنا و انما احب اسكندريتهم و بحرها و جمالها. و الكتاب يعطي انطباعا واضحا بان مصر كان فيها دولتان ، احداهما للمصريين و الاخري للاجانب، و من خلال صفحات هذا الكتاب و التي تقترب من الثلاثمائة صفحة ، و تغطي اكثر من خمسين عاما من تاريخ مصر في القرن العشرين ، لم نقرآ عن حدث واحد مثل ثورة ١٩١٩ او مظاهرات ١٩٣٥ او التغيرات السياسية النتلاحقة ، و لم يذكر اسم زعيم او وزير مصري واحد ، و لا اسم كاتب او اديب او فنان مصري ، و لا حتي راقصة مصرية. فالكتاب ملئ باسماء و شخصيات كلها اجنبية ، اما الاسماء المصرية الكثيرة ، فهي فقط اسماء الخدم بانواعه كافة. و قد قالت الجدة في كلمتها احتفالا بعيد ميلادها المئوي انها تعرف خمسين كلمة عربية ، بمعدل كلمة عن كل سنة اقامتها في مصر، و بالرغم من ان هذه العائلة لم تذهب الي اسرائيل ، الا ان زعيمهم العم فيلي المقيم بانجلترا كان يستمع كل ليلة لمدة ساعة كاملة الي نشرة الاخبار بالفرنسية من محطة اسرائيل. و كان العم ايزاك يتعلم العبرية الدارجة و هو في الثمانين من عمره ، لانه يتمني ان يموت باسرائيل!!!!!

"ختم خروج علي جواز سفر يهودي بتاريخ ٢٨ـ١٠ـ١٩٦٧ ، خمس شهور من بعد نكسة ٥ يونيو ٦٧"

ولا يمكن الاعتقاد بان معاناة تلميذ يهودي واحد-بسبب دراسته لتاريخ الشرق الاوسط من وجهة النظر المصرية التي تدين اسرائيل- يسبب الكوارث التي سببتها اسرائيل لمصر و المنطقة من حولها ، فهي مختلفة عن معاناة آلاف التلاميذ الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية ، عندما يقرآون التاريخ الذي يمجد اسرائيل و لا يعترف بآي حقوق للعرب.
ويوضح الكتاب ان معظم الاجانب و اليهود الذين هاجروا الي الاسكندرية كانوا فقراء في اوروبا ، وبعد فترة وجيزة من هجرتهم الي مصر اصبحوا يعيشون حياة رغدة ، ومنهم من ربح امولا طائلة ، و لم يشعر اي منهم -بآستثناء بعض اليونانيين- ان هذا الوطن يمكن ان يكون وطنهم الدائم ، و ان يندمجوا فيه و يتعلموا لغته. وحقيقة الامر انه عندما اممت ممتلكات الاجانب اليهود ، كان ذلك جزاءا من سلسلة تآميمات سياسية للدولة ، وطالت الاغنياء المصريين ايضا في قطاعات الصناعة و التجارة و الزراعة. وعندما هاجرت العائلة الي اوروبا مرة اخري ، و استوطن معظمهم في فرنسا اصبحت حياتهم بسيطة في شقق صغيرة بدون الخدم والحشم و الطباخين و السائقين.

"اعتقد ان الصورة تعبر بشكل كاف"







السبت، أكتوبر 10، 2009

ماذا تعرف عن الحاخام المبتسم دائما......الحاخام حاييم ناحوم “افندي”








حاييم ناحوم ”افندي” ١٨٧٣-١٩٦٠ ولد في (ماجنسيا) بالقرب من ازمير ، بتركيا. درس الثانوية في استانبول ، التحق بالمدرسة العليا للحاخامات بباريس ،ودرس اللغات الشرقية ،وشارك في تآسيس رابطة “الاتحاد و الترقي” و التي كانت لها دورا فعالا في الانقلاب علي السلطان العثماني و القضاء علي دولة الخلافة بتركيا ،عين في منصب “حاخام باشي” (كبيرا للحاخامات قي استانبول عقب عودته من باريس في عام ١٩٠٨.

فضيلة الحاخام الأكبر استهل جلائل أعماله بعد خلع السلطان عبدالحميد بكفاحه كفاح الأبطال لإلغاء الجواز الأحمر ، وهو الجواز الذي كان السلطان رحمه الله قد أصدره بعد المؤتمر الصهيوني الأول لكي يقيد به حركة اليهود ، ويمنع أي يهودي في الدولة العثمانية من خارج فلسطين من الدخول إليها والمكوث بها أكثر من ثلاثة أشهر .وبعد الحرب العالمية الأولى لم تجد الحكومة التركية أحداً غير رجل الدين التقي النقي يتولى التفاوض عنها . فاستقال فضيلته من منصبه (حاخام اليهود الأكبر في الدولة العثمانية) ثم ذهب إلى لاهاي ليمكث بها سنة كاملة مفاوضاً وحده عن الحكومة التركية ومقرباً بينها وبين الحلفاء
ثم من لاهاي إلى لندن ليلتقي رئيس الحكومة البريطانية " لويد جورج " ، فإلى باريس ليقابل بوانكريه رئيس الجمهورية الفرنسية ومن باريس إلى سويسرا بتأشيرة أرسلها إليه في الأستانة من لندن حاييم وايزمن زعيم الحركة الصهيونية ، ليكون مبعوث أتاتورك إلى مؤتمر لوزان .


وبعد أن أتم سيادته ( لم يكن صاحب فضيلة إذ ذاك ) مهمته بنجاح وعقد صفقة إلغاء الخلافة والشريعة ودشن تركيا الكمالية العلمانية ، عاد إلى إسلام بول وقد دفعت الصحف الكمالية الجماهير في الشوارع لاستقبال " منقذ القومية التركية " وعندما تصل إلى ا
لعبارة الأخيرة ، ارجع إلى البروتوكول السابع لتقرأ فيه تفسيرها : " لكي نصل إلى غاياتنا يجب أن ننطوي على كثير من الخبث والدهاء خلال المفاوضات والاتفاقات ... كي نظهر بمظهر الأميين المتحمل للمسؤولية وبهذا ستنظر إلينا حكومات الأميين التي علمناها أن تقتصر في النظر على جانب الأمور الظاهر وحده كأننا متفضلون ومنقذون للإنسانية " .

اصقل خبرته السياسية من خلال علاقته بالدوائر السياسية و الدبلوماسية في ولايات الدولة العثمانية ،والولايات المتحدة الامريكية ،وفرنسا ،ومن خلال المشاركة في الوفود الرسمية الممثلة لتركيا في عدة مفاوضات و مؤتمرات، و منها مفاوضات الهدنة الحربية في Hague ، وفي واشنطن ١٩٢٠-١٩٢٢ ، وفي مؤتمر السلام الذي عقد في لوزان بسويسرا عام ١٩٢٢ ،وكانت الحكومة التركية قد اوكلت اليه مهمة تحقيق التفاهم مع بريطانيا و تحسين العلاقات بينهما ،وهي المهمة التي شجعتها المنظمة الصهيونية العالمية!!!!!!!

كانت اهتماماته و طموحاته السياسية بلا حدود ،وعلي حساب الجوانب الروحية والدينية. وقد ادئ ذلك الي اهماله في كثير من الاحيان لمسئوليات منصبه ،مما ادي الي عدة حملات هجوم عليه خاصة من اليهود الاشكناز الصهاينة و الذين وصفوه بانه “آفاق ،محتال، ثعبان” و عندما رفضت السلطات الحكومية اختياره ممثلا لها في واشنطن ،تقدم باستقالة من منصبه الذي اكتسب من خلاله شهرته كدبلوماسي
شرقي، اكثر منه كرجل دين، حتي اطلق عليه “افضل حاخام بين الدبلوماسيين ،وافضل دبلوماسي
بين الحاخامات”!!!!!!!!!

وكما ترى فصاحب الفضيلة حاخام اليهود الأكبر الذي لن تجد له سيرة في موسوعة ولا اسماً في وثيقة ولا إشارة في مرجع معتمد ، كاف وحده لإثبات صحة البروتوكولات . ويأتي السؤال : صاحب الفضيلة الذي ولد في أزمير وتلقى تعليمه في تركيا ثم في فرنسا ، وفاوض على تفكيك إمبراطورية ومثل حكومته في أحرج لحظاتها بعد خروجها مهزومة في حرب عالمية " هذا " الحبر الفهامة " رجل الدين الذي اشتغل بالسياسة لكي يعزل ديناً آخر عن السياسة !! ما الذي حدا به إلى أن " عطف على مصر ولبى ندائها فأغاثها وحقق رجاءها وبلغها مأربها ومنتهاها " ليعود مرة أخرى صاحب الفضيلة ويصبح حاخاماً اكبر لليهود فيها وهو لم يرها من قبل ؟!

ربما تصبح إجابة السؤال أسهل إذا علم أن زحف الأفعى اليهودية إلى فلسطين ما كان ليتم ، بعد إزاحة الخلافة وتفكيك الشام ، إلا بإخراج مصر من معادلة المنطقة وعزلها عنها ، ليس فقط على المستوى السياسي والعسكري ، ولكن أيضاً وأهم عزلها على المستوى العقلي والنفسي . وكان هذاايضا هو الهدف الحقيقي من دخول بريطانيا مصر ، وهو محور السياسات البريطانية ( والأمريكية من بعدها ) في كل مستوياتها ( قانونية ، إدارية ، وتعليمية ، وإعلامية ).



















وربما يتضح دور صاحب الفضيلة إذا علم أن الحكومات المصرية
في العشرينيات والثلاثينيات وحتى 1948 م وفلسطين تلتهب بأفعال العصابات اليهودية في حماية الجيوش البريطانية كانت تتبنى " نموذجاً مركباً " تطارد به أي مؤتمر أو اجتماع لمناصرة فلسطين وتغلق أي جريدة تعرف المصريين بما يحدث فيها ، في الوقت الذي كان اليهود يعقدون المؤتمرات ويقيمون الجمعيات لمناصرة الصهاينة ، وكل زعماء الحركة الصهيونية زاروا مصر خلال هذه الحقبة لتنظيم صفوف اليهود فيها تحت سمع الحكومات المصرية وبصرها وبعلمها .
والجرائد اليهودية في مصر كانت تبث دعاية صهيونية صريحة ، وعلى رأسها جريدة " إسرائيل " التي كان يصدرها ألبرت موصيري وتحظى بدعم فضيلة الحاخام الأكبر !!
ذلك " لأننا لا نستطيع أن نسمح ببث أي دعاية لفلسطين ضد اليهود في مصر إذ اليهود أقلية ونحن نحافظ على شعور الأقلية في بلادنا " حسبما أعلن في بيان رسمي رئيس الحكومة المصرية ، الزعيم الوطني الكبير مصطفى النحاس !! ووصل الأمر بإسماعيل صدقي باشا الذي كان على علاقة وثيقة بكبار الماليين اليهود في مصر وترتبط مصالحه الاقتصادية بهم ، وصل الأمر به إلى أن أصدر أمراً لوزارة الأوقاف بمنع ذكر اسم فلسطين في خطبة الجمعة !! .وربما تفهم لماذا جاء حضرة صاحب الفضيلة إلى مصر وما الذي كان يفعله فيها إذا علمت أن فضيلته سعى وشارك في إنشاء عشرات المحافل الماسونية في مصر .

وفي عهده وبجهوده المباركة وبالتعاون مع قطاوي باشا وزير مالية مصر الأسبق تمكن فضيلته سنة 1936 م من جمع 13 ألف جنيه من أندية المكابي اليهودية ، رصدها فضيلته لشراء أراض في فلسطين لإيواء اليهود ( الغلابة ) الذين قدموا من فجاج الأرض إلى فلسطين وليس لهم فيها مأوى ! ما جاء فضيلة الحاخام الأكبر مصر من أجله هو ما تجده في التقرير الذي نشرته جريدة السياسة الأسبوعية الصادرة في 14 يوليو 1928م لمراسلها في القدس عن زيارة فضيلته لفلسطين : " زار فضيلة حاخام مصر الأكبر مركز اللجنة الصهيونية وجمعية رأس المال القومي وغيرها من الجمعيات الصهيونية وخطب في حفل أقيم له ، فحث اليهود على بث الدعاية لتوحيد جميع الفرق اليهودية ... واقترح أن ينشأ في الجامعة العبرية فرع لتعليم الربانيين الذين يتشربون مدة وجودهم هنا حب أرض إسرائيل وهكذا فإنهم عند عودتهم إلى بلادهم يبثون الدعوى لإنشاء الوطن القومي اليهودي . وقد وعد فضيلته في نهاية خطبته أن يحبب يهود مصر بفلسطين ..!













"صورة للحاخام المبتسم مع اعضاء مجمع فؤاد الاول للغة العربية"

كثرت زيارات حاييم ناحوم لفلسطين ،ولقاءاته باللجان و الجمعيات الصهيونية التي حرصت علي تجنيده في خدمج اهدافها. وقد قوبل دوره في تشجيع النشاط الصهيوني في مصر بالحذر و الكراهية احيانا، الا انه كان قد وثق صلته بالملك فؤاد ، الذي عينه عام ١٩٢٥ حاخاما اكبر لمصر و السودان و منحه الجنسية المصرية عام ١٩٢٩ و عينه عضوا بمجلس الشيوخ عام ١٩٣١ ،وفي نوفمبر عام ١٩٣٣ ،نال عضوية مجمع فؤاد الاول للغة العربية “مجمع اللغة العربية الان”

حاول حاييم ناحوم تقريب وجهات النظر بين زعماء الطائفة اليهودية في مصر من اجل الصالح العام ،ولكنه قوبل بالرفض و الكراهية و اعتراضات من بعض الشخصيات الهامة في الطائفة ،ولكن مع انتخابات المجلس الجديد للطائفة عاد الهدواء النسبي، وفي مارس ١٩٢٥ شكل حاييم ناحوم افندي مكتب “الحاخامخانة الاسرائيلية بالقاهرة” وفي نوفمبر ١٩٢٦ ،وضعت لائحة الاسكندريةعلي غرار لائحة الطائفة بالاسكندرية عام ١٨٧٢ و لكن بخلاف لائحة الاسكندرية ، تحتم ان يكون ثلثي الاعضاء الثمانية عشرة من المواطنين اليهود المصريين و تنص هذه اللائحة علي خضوع الطائفة الطائفة لاحكام المجلس و الذي تنتخبه الجمعية العمومية لمدة ثلاثة سنوات ،وحق التصويت مكفول لاعضاء الذين يدفعون الااريخا طوال هذه الثلاث سنوات.

"صورة للحاخام المبتسم مع مسيو قطاوي و بعض اعضاء الطائفة اليهودية في مصر"

وعندما تم اقرار رئاسة الطائفة لمدة سنة واحدة ،حاول البعض التدخل لتعديل هذا القرار ،لكن لم يستجب الحاخام حاييم ناحوم لمطلبهم ،مما ادي الي سقوط جوزيف قطاوي صريعا للمرض و اصابته بالشلل النصفي حتي واقته المنيه عام ١٩٤٣.

تحددت اختصاصات مجلس الطائفة في رعاية مصالح وحقوق الطائفة وتحديد سلطة الحاخام بانها سلطة دينية فقط ،ويتلقي تعليماته من المجلس ،ويوقع علي الطلبات الدينية و المدنية و الخدمات ،والشئون المالية من اختصاص المجلس فقط. ولكن مع الوقت ومع التعديلات التي ادخلت علي اللوائح من اجل اعطاء سلطات اوسع و نفوذ اقوي للحاخام حاييم ناحوم افندي و مع وفاة جوزيف قطاوي عام ١٩٤٣ تمكن الحاخام المبتسم حاييم ناحوم افندي من الهيمنة علي الطائفة و ليصبح بمقتضي التعديلات التي ادخلت علي اللوائح “الممثل الرسمي” للطائفة اليهودية في مصر.



















"صورة للحاخام وهو يقوم بعقد قرآن لرجل و امرآة يهودية ، طبعا من عالية القوم كما هو واضح في الصورة ، يهود اشكناز"

وتروي وثائق الجنيزة اليهودية أي المقبرة لاكتشافها في مقابر يهود مصر بالبساتين الجدلية التي وردت في حوار مثير وتاريخي بين المليونير اليهودي ألبرت موصيري والحاخام الأكبر للطائفة اليهودية في مصر حاييم ناحوم أفندي الذي كان عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة. عندما وجه موصيري سؤالا لناحوم قائلا «كيف يمكن للإنسان أن يكون مواطنا مخلصا لبلد مولده في حين يكون مواليا للوطن القومي اليهودي؟» ولم يرد ناحوم بشيء ربما بماعرف عنه من دهاء وسياسة تجعله في حرج لارتباطه بصداقة مع عدد كبير من الشخصيات السياسية المصرية وصلت إلى الملك فاروق والرئيس محمد نجيب. وهناك صور شهيرة لهذا الحاخام وطرائف ومساجلات أدبية تجمع الحاخام بشيوخ أدباء ذلك العصر بل ان الدولة المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عالجت الحاخام ناحوم على نفقتها الخاصة وكان يصدر مجلة باسم «الكليم» يكتب فيها مقالات عن التعددية الدينية وتسامح مصر بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة مثل أنورالسادات وحسين الشافعي وكمال الدين حسين.


























"الصورة الشهيرة لزيارة الرئيس محمد نجيب لمعبد عدلي بوسط البلد ، ويظهر في الصورة الحاخام حاييم ناحوم افندي و وجهه يكاد ينفجر من السعادة"


ثم يبقى اللغز الحقيقي ، فضيلة الحاخام الأكبر صاحب هذا التاريخ العريق ، البريء علانيته ، العبيد غور خفائه ، كان اليهود في مصر يجمعون التبرعات لدعم ثورة يوليو تحت رعاية فضيلته .
وقد فسر فضيلته ذلك ، حسبما تذكر الموسوعة اليهودية " الإسرائيلية " بكل حياد وموضوعية ( وبراءة الأطفال في عينيها! ) بأنه واجب وطني ولا تنس أنه أصلاً تركي !!؟

في عام ١٩٦٠ رحل -او بمعني اصح- هلك هذا الحاخام المبتسم حاييم ناحوم افندي بعد ان ادئ واجبه نحو الصهيونية العالمية علي اتم وجه.

"صورة جنازة وجثمان الحاخام الهالك حاييم ناحوم افندي....الحاخام المبتسم الداهية"

الجمعة، أكتوبر 09، 2009

مقالة عن وصف الرحالة الاوروبيين و المستشرقيين لليهود المصريين



جزءا من كتاب “رؤية الرحالة الاوروبيين لمصر” من تآليف الدكتورة الهام ذهني ومن اصدار دار الشروق ، ولقد اعتمدت المؤلفة وهي استاذة التاريخ الحديث بكلية الدراسات الانسانية بجامعة الازهر علي خلاصة الابحار الطويل في عالم الرحالة الاوروبيين لمصر خلال القرون الاربعة الممتدة بين بداية القرن السادس عشر و نهاية القرن التاسع عشر. ولقد رآيت ان من واجبي ان اعرفكم ببعض الرحالة او المستشرقيين الذين اعتمدت عليهم المؤلفة،

- اندريه تيفيه : وهو رجل دين فرنسي ، اهتم بجغرافيا الشرق و خصوصا مصر اهتماما كبيرا ، زار العديد من البلاد في الفترة
١٥٤٦ - ١٥٥٣ وقد زار الاماكن المقدسة في الشام و المزارات المسيحية في مصر ، وضع ثلاثة مؤلفات سجل فيها رحلاته للشرق ، نشر الاول في عام ١٥٥٤ وخصصه للجغرافيا الشرق . و اهتم في الثاني بجغرافيا العالم ونشره في عام ١٥٧٥. اما الثالث فكان عن ملوك فرنسا. هذا وقد اهتم تيفيه في مؤلفه الثاني بالقاء الضوء عن مصر وزوده بالعديد من الروسومات عنها.

-ادوارد وليم لين : اظهر لين منذ صغره تفوقا في الرياضيات و الادب ، فارسله والده الي كامبريدج بهدف الانضمام للكنيسة ولكنه تخلي عن هذه الفكرة واتجه الي لندن حيث تعلم اللغة العربية ثم اختار السفر الي الشرق ، فوصل الي مصر عام ١٨٢٥ وعقد العزم علي استكمال دراسة اللغة العربية وطبائع الشعب المصري علي حد سواء ، و لذلك ارتدي الزي التقليدي المصري و عهد الي استاذين لتعليمه اللغة العربية واحكام الشريعة و اختلط بالناس وعاش وسطهم متخذا لنفسه اسما عربيا ، وارتاد منازل القاهرة واسواقها و جوامعها حتي اكتسب ثقة المصريين وتمكن من التغلغل الي اعماقهم ، وحذا ادوارد لين حذو العديد من الرحالة السابقين مثل الامريكي فرنسيس باركمان الذي عاش مع هنود امريكا الشمالية و ارمينيوس فامبري الذي تنقل بين تتار آسيا ، و لكن ميزة لين انه استمر مدة اطول ممن سبقوه ، وقد عاد لين الي بريطانيا عام ١٨٢٨ ولم يجد ناشرا لمؤلفه في وصف مصر ثم رآي العودة اليها مرة ثانية لتحسين مؤلفه فوصلها عام ١٨٣٣ وبقي عامين اكتسب خلالهما معرفة بها، ووضع مؤلفه “عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم” الذي صدر في عام ١٨٣٦ في جزائين زوده برسومات رسمها بنفسه فحقق مؤلفه نجاحا سريعا منقطع النظير ، ثم عاد لين الي مصر في عام ١٨٤٢ بعد ان وضع في بلاده العديد من المؤلفات وبقي في مصر لمدة سبع سنوات اخذ خلالها العدة لاصدار المعجم العربي ، ولقد صدر الكتاب بعد وفاته.

والآن و بعد هذه المقدمة التي اردت ان اعرفكم بها علي مصادر المؤلفة ، اليكم المقال:

“ اعتنق العديد من اليهود الاسلام وقد علل تيفيه ذلك بالرغبة في الحصول علي مكاسب تجارية و حرية اكثر في الحركة و لكنهم سرعانا ما يرتدون الي دينهم

القي تيفيه اللوم علي اليهود لانهم لعبوا دورا في تسليم القسطنطينية للاتراك العثمانيين فقد تظاهروا باعتناق المسيحية و خانوا الامبراطور ، و كذلك اكد ان الخيانة من صفاتهم فهم المسئولون عن استيلاء العثمانيين علي كثير من مناطق اوروبا و لا سيما رودس و نابولي و بلجراد و بودابست.

واليهود متواجدون في جميع المدن المصرية كالاسكندرية و دمياط و رشيد ، وقد اكد الرحالة بانه لا تخلو مدينة منهم. ويتمركز اليهود في خان الخليلي ، فلهم منازلهم الخاصة و متاجرهم في حارة اليهود قرب الموسكي.

ولقد وصف الرحالة اليهود بانهم لا يتكلمون الا كلاما فارغا و يقصون مئات القصص من التلمود و كلها تتسم بالسذاجة ، و هم يستخدمون احيانا اللغة العبرية في الكتابة و لهم احتفالاتهم الخاصة بهم وهم يتحدثون بصوت منخفض وعلي عكس المسلمون يهمسون. وعلل ميليه ذلك لخوفهم من سكان البلاد و اضاف نجد اليهودي يسير منحني الرآس وبخطوات سريعة ، وهو يتصف بصفات البخل و الغش. و لقد اهتم الرحالة بالقاء الضوء علي حاخام اليهود و اكدوا انه يحفظ قوانينهم و لليهود حرية ممارسة شعائرهم الدينية في معابدهم.

يعمل اليهود في صناعة الذهب و الفضة و لديهم مصانع للمنسوجات من القطن الواردة من البنغال و من الحرير الوارد من سوريا. في عام ١٧٢٧ افتتح بعض اليهود شركة للتجارة مع المسحيين القادمين من اوروبا و لكن محاولاتهم فشلت ، وقد تمتع اليهود بالثراء في القرن الثامن عشر وبرزت اسماء العديد من الشخصيات لعل اشهرهم ابراهيم سرانو و كان من اغني تجار القاهرة كما ذكر نيبور.
عمل اليهود ايضا في تجارة العملة و تركزت اعمالهم في خان الحمزاوي ، كذلك عملوا في دار سك العملة ، وقد قدر ديجون اعدادهم في القاهرة عام ١٧٧٨ بحوالي الفين يعمل معظمهم بالتجارة.

تركز عمل اليهود ايضا في الجمارك وقد قدمت العديد من الشكاوي ضدهم خاصة من قبل التجار الفرنسيين ، و قد اورد الرحالة قضية اليهودي زافير الذي كان مسئولا عن جمرك الاسكندرية وفرض الغرامات علي التجار الفرنسيين فطالبوا الباشا بمعاقبته ، واستدعي من الديوان ووجهت اليه عدة اتهامات ثم قدمت ضده الشكاوي في استطانبول فتم استدعاؤه للمحاكمة. قضي علي بك الكبير علي نفوذ اليهود في الجمارك ففي عام ١٧٦٩ اوقف المشرف علي جمرك بولاق و شنقه و صادر امواله و حل الشوام واحلوا مكانهم في ادارة الجمارك فاختفت اسماؤهم من سجلاتها.

استمر الرحالة في انتقادهم لليهود حتي القرن التاسع عشر فما زلنا نلمس في مؤلفاتهم صفات القذارة و التظاهر بالفقر و ارتداد الثياب الرثة البالية حتي لا يلفتوا الانظار، كما ان اعدادهم في مصر في القرن التاسع عشر لم يطرآ عليها التغيير فقدرت ما بين الفين الي ثلاثة الآف. اما عن الحرف و المهن التي عملوا بها فلم تختلف كثيرا عن القرن الثامن عشر فقد استمروا في العمل في تجارة العملة وفي تجارة الاحجار الكريمة المستوردة من تركيا و آسيا الصغري و الهند.

قدم ادوارد وليم لين وصفآ لليهود لا يختلف عما قدمه غيره من قبل ، فذكر بان يهود الشرق يختلفون عن يهود اوروبا و هم يتميزون ببياض البشرة وصبغة الشعر وصفاء عيونهم الزرقاء او الرمادية ، ويشكو يهود مصر من امراض العيون و انتفاخ البشرة بسبب الافراط في استعمال السمسم في الطعام.

ويدفع اليهود الجزية مثل الاقباط ويعفون من الخدمة العسكرية و يحمل اليهود للاسلام و المسلمين بغضا متاصلا اكثر من اي شعب آخر و لكنهم يعيشون في مصر عيشة هادئة. وقد تآثروا بتقاليد المسلمين و لذلك تنتقب اليهوديات و يلبسن ملابس المصريات في الطريق العام علي حد وصف لين.”


الخميس، أكتوبر 08، 2009

في البداية

في البداية احب ان ارحب بكل زائر لهذه المدونة واتمني ان يجد فيها ما يفيده و ينفعه ، و احب ايضا ان ابين الاسباب التي جعلتني اقدم علي انشاء هذه المدونة والحرص علي نشر ما قرآته و ما عرفته عن ما يسميه البعض باليهود المصريين ،والاسباب هي التالية:

* ازدياد الجدل الاعلامي في مصر وفي بعض دول العالم علي موضوع ما يسمي باليهود المصريون.
* قيام بعض المسمون باليهود المصريون بعقد المؤاتمرات و الترويج لفكرة المطالبة باملاكهم في مصر والتي يدعون انها اخذت منهم
بدون وجه حق بعد ان قامت ثورة ١٩٥٢ بتجريدهم من جنسياتهم و من حقوق المواطنة وطردهم من مصر.
* قيام بعض الصهاينة و عملائهم بزرع ونشر معلومات مزيفة وغير حقيقة بين شباب الجيل الجديد عن مايسمي باليهود المصريين و
ذلك لمعرفتهم بجهل شباب الجيل الجديد بتلك الطائفة اليهودية التي عاشت في مصر لمدة من الزمان ، فصورت لهم ان هؤلاء اليهود
كانوا اعمدة اقتصادنا ومبدعي فنوننا واطيب ما في مجتماعتنا ، ويعلم الله ان هذا الا كذابا و تزيف للحقائق قد افتراه الصهاينة ومن والهم و عمل لحسابهم.
* وجدت ان اغلب المصادر في هذا الموضوع هي مصادر يهودية او فرنسية فقط ومن الملاحظ ندرة المصادر المصرية.

لذلك فقد قررت انشاء هذه المدونة كي يعلم الناس الحقائق ولكي يعلم الشباب بالدسائس التي تدس عليهم وقد اعتمدت في مصادري علي القراءة و متابعة كل ما هو جديد في هذا المجال او في مجالات اخري ذات صلة مباشرة او غير مباشرة بموضوع اليهود المصريين ، كما اعتمدت علي الاتصالات و الحوارات و المقابلات التي اجريتها مع بعض الاشخاص من هذه الطائفة ممن مازالوا يعيشون في مصر او خارجها ايضا مع بعض المصريين و غير المصريين ممن كانوا علي صلة بهذه الطائفة ، و اسآل الله ان يوفقني و اياكم لما فيه الخير لبلدنا مصر و لديننا واسال الله ان يجعله عملا متقبلا وا يرزقني و اياكم الاخلاص.
احمد حسين
Get updates My Blog on VerveEarth